الثلاثاء أبريل 20 2010
الحاج امين الحسيني
تل ابيب - - كشفت مصادر اسرائيلية اليوم النقاب عن قرار اسرائيلي اتخذ عام 1948 لاغتيال المفتي الحاج امين الحسيني وذلك اثر مؤتمر عقدته الحركة الوطنية الفلسطينية بتاريخ 30 أيلول عام 48 انتخبت فيه المفتي قائدها للكفاح ضد اسرائيل وكان الزعيم المنتخب خاضعا منذ فترة طويلة لمراقبة الاستخبارات الاسرائيلية، وتضخم ملف لدى الاستخبارات الاسرائيلية واتخذ في نهاية المطاف قرارا باغتياله.
وقالت صحيفة "هارتس" في تقرير مطول ان هدف الاغتيال كان المفتي الحاج امين الحسيني وذلك في الايام الاولى لاقامة اسرائيل حيث عمل المفتي بعد انتخابه على تنظيم المؤسسات الوطنية الفلسطينية واشرف على شراء اسلحة، وتشكيل حكومة عموم فلسطين ورأى قسم الاستخبارات في هيئة الاركان الاسرائيلية، الذي شكل في تلك الايام وخصوصا قائده أيسر هرئيل باغتيال زعيم الحركة الوطنية الفلسطينية، اكبر عملية لشعبة الاستخبارات العسكرية في ذاك العام.
وكان مخطط الاغتيال بسيطا لا يتضمن اي احتمال لهروب منفذيها، وكان المكلفان بالاغتيال ا عضوين سابقين في منظمة "اتسل" من سكان القدس،وهما دافيد يعقوبي ونسيم بن دافيد، واحتفظ الاثنان بسرية هذه المهمة حتى نشرها هنا.
واكتسب تسفي يعقوبي "الذي كان يطلق عليه اسم شاؤول في منظمة اتسل" خبرة عملية كبيرة في المنظمة لحين القاء البريطانيين القبض عليه ونقله الى معسكر اعتقال في كينيا وهو الذ قاد وحدة التخريب في المنطقة وادخل مواد متفجرة بتاريخ 22 حزيران عام 1946 الى فندق الملك داود بالقدس في وعاء لنقل حليب، واغتيال شرطيين بريطانيين، وتحدث عن مخطط اغتيال المفتي قبل عدة سنوات وقبل فترة قصيرة من وفاته.
وقال: "طلبوا منا التطوع لتنفيذ العملية رغم عدم وجود احتمالات هروب، وحصلنا على معدات لتنفيذ المهمة، مسدسان من طراز "شتيار" وعدة مئات من الطلقات،وتوجهنا في اليوم المحدد الى منطقة عسقلان وحصلنا على حمير وملابس عربية بهدف التسلل الى قطاع غزة مع تيار اللاجئين وايقنا بأن الحديث يدور عن مهمة انتحارية".
وقال ردا على سؤال حول الموافقة على تنفيذ العملية رغم كونها انتحارية: "لقد كنا ايديولوجيين".
وتحدث مراسل "هارتس" مع نسيم بن دافيد صديقه في المهمة في منزله بالقدس، الذي تطل نوافذه علي ساحة فرنسا المطلة على فندق الملك داود الذي فجره يعقوبي وعلى منزل رئيس الحكومة وعلى ساحة صغيرة تستخدم منذ عشرات السنين كميدان لمظاهرات اليمين واليسار وسأل بن دافيد زوجته وهو ينظر الى نظرة قلقة: هل تعتقدين بأنه حان الوقت للحديث، وردت عليه قائلة: "اعتقد نعم، لقد ماتوا جميعا، المفتي، كرون، وايضا يعقوبي، انت الوحيد الذي بقيت منهم".
اكد بن داڤيد رواية يعقوبي وقال: "استدعونا للقاء في مكتب الضابط داڤيد كورن في مقر الاستخبارات العسكرية في يافا، الذي حدثنا عن المخطط، وقال لنا كورن بأن الحكومة تعتقد بأن ما يشكله المفتي في قطاع غزة يشوش على دولة اسرائيل.
وقال أنه وفقاً للمخطط سيعدون لنا حميرا وملابس لاجئين واسلحة، وانه يتوجب علينا التسلل مع لاجئين كثيرين من الجنوب الى غزة والتوجه في أحد ايام الجمعة الى المسجد المركزي في غزة حيث يؤدي المفتي الصلاة واغتياله عن قرب خلال الصلاة.
وطلب منا التطوع لتنفيذ المهمة رغم عدم وجود احتمال لعودتنا احياء. وسألناه هل بإمكاننا الحصول على مساعدة احد عملاء الاستخبارات في قطاع غزة للهروب، ورد قائلا: "رتبا أمريكما بنفسيكما، اندمجا بين المصلين".
س- هل كان هناك احتمال لأن يؤدي اغتيال المفتي الى تغيير التاريخ؟
ج- هذا امر مشكوك فيه.
مسدس "شتاير" الذي ظهر في المعركة الاولى لم تطلق النار منه حتى المعركة الاخيرة. وقام الجيش الاسرائيلي بتاريخ 16 تشرين الاول عام 1948، وفي اطار عملية "يؤاب" بهجوم حاسم في منطقة النقب انهى التواجد القصير لحكومة عموم فلسطين في غزة، ونقل المفتي الى القاهرة حيث فرضت عليه السلطات المصرية اقامة جبرية بسبب عدم رضاها عن سياسته المستقلة، وهكذا لم يعد الهدف متوفرا.
عاش نسيم بن داڤيد الذي اقام بعد الحرب مخبزاً ناجحاً كبيراً في القدس، ايامه الاخيرة في المدينة، اما داڤيد يعقوبي فأبعد تماماً عن تاريخ التنظيم السري بسبب التغيرات التي طرأت عليه بعد حرب العام 1948.
وعلى العكس من معظم اصدقائه في "اتسل" الذين انضموا بعد اقامة اسرائيل الى حركة "حيروت" هجر معسكر اليمين وانضم الى "مباي" واشرف على ادارة صندوق المرضى "كلاليت" في القدس وتحول الى نصير متلهف للسلام مع الفلسطينيين وخلف لابنته مسدس "شتاير" الذي كان من المفروض ان يغتال المفتي به.
وقالت هارتس :"ادت نتائج حرب العام 1948 والنكبة الفلسطينية الى التقليل من اهمية المفتي ولم يعد يؤثر على الحركة الوطنية الفلسطينية، وتوفي عام 1974 في لبنان وهو بسن 77 عاماً، اي كان اكبر بعشر سنوات من الشيخ احمد ياسين لدى اغتيال اسرائيل له عام 2004 واكبر من ياسر عرفات لدى رحيله وعاش 28 عاماً اكثر من محمود المبحوح الذي اغتيل في دبي، وزال التهديد الذي كانت اسرائيل تتخوف منه من دون اغتيال، ولو تم اغتياله لخلد كشهيد يشكل نموذجا يحتذى به للاجيال القادمة ولتمت المطالبة بالانتقام لاغتياله".
واضافت :"توفر لنا اللحظة التاريخية عام 1948، والتي لم تقم اسرائيل خلالها باغتيال الزعيم الفلسطيني فرصة فريدة من نوعها لدراسة نتائج ما لم يحدث. وبامكاننا القول بلسان عسكري وصحافي اليوم، "لقد فشلت الاستخبارات". لكن الضعف الطبيعي لمكانة المفتي في الوعي الفلسطيني ادى الى وجود فراغ دام حوالي عشرين عاما، قبل ان تحتل قيادات فلسطينية جديدة مركز الساحة الفلسطينية.
ووضع عرفات، ياسين، شقاقي، ابو جهاد، ابو اياد، يحيى عياش، رنتيسي، شحادة، مشعل تحديات جديدة - قديمة لاصحاب حق القرار في اسرائيل.
وبرزت مخططات اغتيالات جديدة. لقد صبغ ناطقون بلسان الحكومة وسياسيون وخبراء اكاديميون ووسائل اعلام وبصورة يومية ملفات فلسطينية بلون الدم، وقالوا لهم تذكروا يوم الاغتيال المقبل".
واغتالت اسرائيل ووفقا لمعطيات منظمة "بتسيلم" منذ العام 2000 وحتى نهاية العام 2008 - 387 فلسطينيا في المناطق، وتم استبدال معظم الكبار منهم وخلال فترة قصيرة بآخرين. وسقط اكثر من 150 مدنيا كانوا قربهم، ولم تجر في اسرائيل حتى اليوم مداولات عامة حقيقية حول المغزى القانوني، السياسي والاخلاقي لسياسة الاغتيالات ومدى جدواها والثمن الذي تدفعه مقابلها.
وكانت المحكمة العليا التي بحثت قضية الاغتيالات عام 2006 قد صادقت على استخدامها في "حالات خاصة". وحصل قباطنة الامن منذ تلك اللحظة فصاعدا على صلاحيات شائكة للحكم على اشخاص بالموت، وتعتبر شائكة حتى لو كان هؤلاء ضارين جدا، وقتلت اسرائيل خلال عامين بعد قرار المحكمة العليا في الضفة الغربية وقطاع غزة ومن خلال عمليات اغتيال حوالي اربعين فلسطينيا وصفوا بـ"قنابل موقوتة".
لكن يبدو ان القدرات السرية لقتل انسان يوصف بالعدو، تتضمن اغراءات من الصعب على اصحاب القرار في اسرائيل الانسياق اليها والتخلي عن الفرصة التي يوفرها لهم تلهف الاجهزة السرية، لكن هل يعتبر هذا وفي نهاية المطاف خداعا للحصانة والامن، يبدي الجمهور في كل مرة استعدادا للوقوع في شباكه؟