ماذا جرى للشارع الأردني؟
سؤال يطرحه الأردنيون هذه الأيام بكثرة، إزاء انتشار ظاهرة جرائم القتل العمد والانتحار وجرائم الاعتداء الجنائي، التي باتت تهدد المجتمع.
فمنذ بداية شهر أبريل الحالي، قتل 6 مواطنين في جرائم قتل جنائية، فيما بلغت عدد حالات الانتحار التي تمت بشكل كامل منذ مطلع هذا العام 15 حالة، فالجمعة ما قبل الماضية، وقعت جريمة قتل في لواء الطيبة غربي مدينة أربد شمالي البلاد، عندما أطلق شخص الرصاص على الشاب أسامة القرعان فأرداه قتيلا ولاذ بالفرار.
وقبلها بأيام، أقدم أحد طلبة جامعة البلقاء التطبيقية في مدينة السلط "غرب العاصمة" على نحر زميله "أسامة العلوان" داخل الحرم الجامعي، وشهدت مدينة السلط وعدد من الجامعات أعمال عنف على خلفية القضية.
وفي 15 من الشهر الحالي، عثر رعاة أغنام على جثمان شاب عشريني معلقة على عامود كهرباء في المنطقة الصحراوية الواقعة شرقي مدينة الكرك جنوبي الأردن، فيما تشير المؤشرات الأولية إلى شبهة جنائية.
قتل في المحكمة
وأمام إحدى المحاكم الأردنية، أقدم مواطن في مطلع الشهر الحالي على إطلاق النار على زوجته وخادمتها فأرداهما قتيلتين على الفور، فيما أطلق عدة أعيرة نارية باتجاه محامي الزوجة الذي أصيب بعيار منها في قدمه نقل على أثره إلى مستشفى الإسراء للعلاج، وقالت المصادر إن الزوج أقدم على هذه الجريمة نتيجة خلافات قضائية بينه وبين زوجته، الأمر الذي أدى إلى تفاقم الأمور بينهما.
وقبلها بيوم، عثر الأمن الأردني في منطقة بئر أبودنة "جنوب البلاد" على جثة مواطن يبلغ من العمر 24 عاما بمنطقة بئر أبودنة قضاء آيل بمحافظة معان أقدم على الانتحار.
ابتزاز
وفي جريمة نادرة وغريبة، تعرض مواطن لاعتداء من قبل شخصين وسيدة، حيث تم إجباره على التوقيع على شيكات باسم السيدة بقيمة 15 ألف دينار بعد تصويره عاريا، وفي تفاصيل الجريمة ذهب المجني عليه إلى منزل المشتكى عليها، بناء على اتصالها معه، لاسترداد دين في ذمتها، وأثناء تواجده بمنزلها طلبت منه الدخول إلى غرفة النوم لإصلاح السرير، وأثناء ذلك حضر شخصان وقاما بالتهجم عليه بأدوات حادة وأجبراه على خلع ملابسه وتصويره بواسطة الهاتف الخلوي وهو عار وتوقيعه على شيكات باسم السيدة المذكورة بقيمة 15 ألف دينار، ما يعادل (22 ألف دولار) وورقة تعهد ومصالحة لصالح السيدة، كما قاما بسرقة جهازه الخلوي.
وفي جريمة أخرى، أصيب ثلاثة أشخاص بجروح إثر تعرضهم لإصابة بعيار ناري بواسطة "خرطوش" أطلق عليهم من قبل شخص وأبنائه الأربعة وشقيقه على خلفية مشاجرة بين طرفين.
الانتحار
وبلغ عدد حالات الانتحار التي تمت بشكل كامل منذ مطلع هذا العام 15 حالة، في حين لم يكن عدد الحالات قبل 5 سنوات يتجاوز 20 حالة طيلة العام.
وتنوعت طرق تنفيذ عمليات الانتحار من الشنق (9 حالات) إلى القفز من فوق بنايات عالية (3) حالات، وصولاً إلى تناول كميات كبيرة من العقاقير، وراح ضحيتها 6 فتيات و9 ذكور تتراوح أعمارهم بين 12 سنة و65 سنة.
وعزا أستاذ علم الاجتماع في جامعة البلقاء التطبيقية الدكتور حسين الخزاعي هذه الظاهرة إلى أسباب عدة، أبرزها تراجع وسائل الضبط الاجتماعي غير الرسمي -الأسرة والمدرسة ودور العبادة، مؤسسات المجتمع المدني- عن القيام بأعمالها وواجباتها في ضبط أفراد المجتمع، إلى جانب شيوع ثقافة الاستهتار في المجتمع والتفكك الأسري، مدللا على ذلك بالإشارة إلى أن نسبة الطلاق في المجتمعات العربية تتراوح بين %18 إلى %35.
ويلفت الدكتور إلى الفهم الخطأ لثقافة حقوق الإنسان والحرية، مؤكدا أن الحرية يجب أن ترتبط بالمسؤولية، التي يجب أن تتقدم على الحرية اللامسؤولة، وأشار إلى عوامل أخرى، تسهم في زيادة الجريمة، تتمثل في العوامل الاقتصادية وضعف الوازع الديني.
أسباب كثيرة والموت واحد
وحول الانتحار، تؤكد كافة الدراسات التي تناولت موضوع الانتحار أنه لا يوجد سبب واحد للإقدام على هذا السلوك الانتحاري، فهو نتيجة تفاعل سلسلة من العوامل تدفع الشخص إلى تدمير وإنهاء حياته، ولذلك يعتبر من الصعب جداً وضع أسباب محددة للانتحار، وقد أجمعت كل الدراسات القديمة والحديثة على تضافر العوامل النفسية والاجتماعية والطبية فيما بينها لحدوث الفعل الانتحاري، وتعتبر الأمراض النفسية والاضطرابات العصابية والذهانية من المسببات الرئيسية للانتحار.
وبينت الدراسات أن التفكك الأسري قد يكون من أهم الأسباب المؤدية للانتحار، إذ تبين أن عددا كبيرا من المنتحرين فقدوا والديهم قبل سن الخامسة.
وأكدت الدراسات أن الرجال أكثر انتحارا من النساء، ولكن النساء يكثر انتحارهن في أعمار الشباب بين 20 و29 سنة.
وتتفق معظم الدراسات على أن %90 من حالات الانتحار ترجع إلى أمراض نفسية وعقلية كالاكتئاب والفصام والإدمان، وأن %65 منها تعود إلى عوامل متعددة مثل التربية وثقافة المجتمع والمشاكل الأسرية أو العاطفية والفشل الدراسي والآلام والأمراض الجسمية أو تجنب العار.
وأشارت الدراسات إلى أسباب أخرى يمكن أن تدفع للانتحار، منها: التفكك الأسري وعدم الرعاية والتوجيه من الأهل، وانعدام الحوار الأسري، وإهمال الأبناء، وضعف الوازع الديني، والبعد عن الأخلاق والقيم والسلوكيات الإسلامية السليمة التي تهذب النفوس وتجنبها الانزلاق في المخاطر، إذ تعتبر هذه العوامل من أهم دوافع الانتحار.
