الغيرة :
تسبب الغيرة في مقبل العمر كثيراً من أشكال الصراع الخفية وهي أمر كبير الخطر من الناحية الاجتماعية , إذا أنها لا تثير في الطفل الغضب والحقد والشعور بالقصور فحسب , بل إنها تؤثر في مستقبل الحياة أثراً مقيماً يدفع إلى دوام الخلاف بين الفرد وبيئته . ونعني بالغيرة ذلك الشعور المكدر الكريه الذي ينتج عن أي اعتراض أو محاولة لإحباط ما نبذله من جهد للحصول على شيء مرغوب . والغيرة بين السنة الأولى والسنة الخامسة من العمر انفعال سوي شائع بين كثير من الأطفال غير أنه كثيرا ما يتطرف هذا الانفعال ويطغى على الشخصية طغياناً يؤدي إلى عسر عسر شديد في توافق الفرد والمجتمع الذي يعيش فيه .
وليس هناك من هو أكثر شقاء من الطفل الغيور, فقد أخفق أو هو ظن أنه أخفق في الحصول على الوقت والرعاية والعطف من شخص هو مولع به ولعاًَ كبيراً وهذا النوع من الإخفاق – حقيقاً كان أو غير حقيق – هو كغيرة من أنواع الإخفاق يحط من عزة النفس , فإذا بالصغير يستشعر القصور وتملوه الشكوك والريبة وتعوزه الثقة بالنفس ويظن نفسه عاجزاً عن مواجهة أي موقف يتطلب جانباً من الثقة بالنفس , فإذا به يتخبط في بحثه عن طريقة يجمع بها شمل نفسه فيتراجع متقهقراً عن المعركة التي قامت عليها الغيرة ومن ثم يصبح خجولاً هياباً أو غضوباً محنقاً ثائراً ومن الراجح انه لا يدري البتة علة ضيقة لانه يشعر بالتهيب والغم والنفور والضعف والإجهاد , لكنه من المحال عليه أن يعلل ذلك بينما سلوكه يتأثر طبعاً بالمشاعر التي تدور في نفسه , والغيرة أساس لمعظم السلوك الذي يتسم بالغرابة والشذوذ والخروج عن المألوف , فالطفل الغيور لا يستقر على حال ولا يشعر بالهناء لا يأخذ من الحياة أو يعطي سوء القليل , يختزن أحزانه ويبالغ فيها حتى يؤدي به شعوره إلى الظن بأن الدنيا بأجمعها تعمل ضده , فيكون مصدراً لنكد أهله وينبوعاً لخطر كامن مقيم لان الغضب والحنق الذي ينبعث عن الغيرة قلما يكون قصيراً الأمد أو محدود الوقت , هذا إلى ما هناك من خطر في إغفال بعض العوامل الاساسية في هذه المشكلة الانفعالية وما إلى ذلك إلا لأنها تشكل بأشكال مختلفة متباينة .
ومن المواقف الشائعة التي تثير الغيرة في الطفل ولادة طفل جديد في الدار وليس من العسير أن ندرك شعور الطفل في سن الثالثة أو الرابعة حين يجد أمه فجأة وعلى غرة توجه عنايتها في الواقع إلى دخيل صغير إذا به يمر في فترة مليئة بالهم والقلق , فكثيراً ما يبعدون الطفل الأكبر أثناء وضع الأم وقد تكون هذه المرة الأولى التي يترك فيها الدار أياماً طوالاً ونحن لا نستطيع أن نقدر ولو قليلاً أثر ذلك في نفسه رغم ما يحاط به في هذه الفترة من رعاية مع الأصدقاء والأقارب فقد اهتزت الدنيا التي يعيش فيها وهو لا يدرك أن أوضاع عالمه سوف تعود إلى مجاريها مرة أخرى .
مع هذا كله فإنه من الممكن أن نمنع نشوة هذا الموقف تجاه الوليد إذا سمحنا للطفل الكبير بجانب من الثقة العائلة , بأن نصارحه بأن عليه أن يتوقع أختاً أو أخاً جديداً و أن نحدثه عن المميزات والمتعة التي سوف يجدها مع صديقة أو زميله المقبل حين يلعبان ويمرحان ولكن علينا أن ندلي إلية بصراحة بما سوف يلقي علية من تبعات ينبغي علية القيام بها وعندئذ فقط نجده يتطلع إلى هذه المفاجئة في صبر نافذ وشغف ملموس واضح , فإذا نحن أحسنا التصرف , صارت هذه مدعاة لسروره الحق , أخذ هو يتطلع إلى صحبة وزميله الجديد في اللعب أو إلى هذا المخلوق الذي سوف يكون علية أن يحميه ويعتني به , ومن ثم يؤدي هذا الشعور بالمسئولية إلى منفعة الطفلين على سواء , كذلك نجد أن الغيرة كثيراً ما تنهش الطفل إذا واصلنا المديح والثناء على أخ له أو أخت و أخذنا نتحدث عن إخوته كأنهم نماذج تحتذي , أو أغرقنا في الاشارة إلى عجز الطفل الغيور وعيوبه إذ ليس هناك ما هو أكثر إيذاء وتدميراً من السخرية والعبث بمقدرة الطفل وموازنتها بمقدرة طفل آخر لأن ذلك يبعث فيه شعورا بالمرارة والحقد والقصور والعجز .
وليست الغيرة أمراً وراثياً بل هي سمة نتيجة للأنانية التي تنتج من التربية السيئة الخاطئة فإذا تعلم الطفل مشاطرة لعبه واقتسام محبة أبوية مع غيرة , و إذا عرف أن على أمه واجبات أخرى غير كل رغبة أو أمنية تبدو منه , أقول إن هذا الطفل لن تلازمه الغيرة أو أن تطغى عليه , والطفل الغيور سوف يكون رجلاً غيوراً وأنه سوف يكون رجلاًًًً غيوراً وأنه سوف يكون بالاختصار فردا بعيدا كل البعد عن الانسجام مع البيئة التي يعيش فيها خلواً من التوافق مع غيرة من الناس .