علاج البرص في الطب الاسلامي
سبق و أن تكلمت بتفصيل ، منذ حوالي سنتين ، عن بعض ما ورد في علاج البرص
في الطب العربي ، ضمن تحقيقي لمفردة { آاطريلال } بكتاب الجامع لإبن
البيطار في هذا المجلس و ضمن موضوع النقاش الذي نحن فيه "النبات الطبي عند
العرب " , و بعدها توصلت برسائل من بعض القراء ، منهم من طلب الإتصال بي
قصد تزويده ببذور الآطريلال و جذور { العاقر قرحا } ، و منهم من طلب
التفاصيل الدقيقة و الكميات المستعملة في وصفة العلاج ... و كان جوابي
للسائلين ، أن اهتمامي ينحصر أساسا في تحقيق أسماء النبات الطبي ، و
التعريف الصحيح بشخصه ... فلم أتصل بأي منهم ، و لم أزود أحدا لا ببذور و
لا بجذور ...
و اتصل بي أخيرا شخص عزيز ، طلب مني ملخصا لما هو مفيد في هذ المادة
المثيرة للإهمام . و ها أنا ذا ألبي طلبه و أقدم ما أعرف عن هذا النبات
بكل موضوعية و أمانة علمية .
أشار إبن البيطار إلى أن نبات الآاطريلال كان يستعمل بنجاح في علاج البرص
بأعمال { بجاية } [2] بالجزائر . و أكد المستشرق الفرنسي ، الطبيب الدكتور
لوسيان لوكليرك Lucien Leclerc ، مترجم كتاب الجامع إلى الفرنسية ، أن
نبات الآطريلال هذا هو المسمى علميا Ptychotis verticillata ، من فصيلة
الخيميات Ombellifères . و تحديد الإسم العلمي يُغني عن ذكر وصف النبات
هنا ... و هناك بعض النباتيين الذين قد يسمونه Ammoides verticillata ، و
هذان الإسمان يعتبران مرادفان في علم تصنيف النبات taxonomie .
و تشير كتب نباتات الجزائر في العصر الحديث ، إلى وجود هذا النوع النباتي بها إلى الآن ، و إليكم الدليل و الحجة العلمية :
ورد في كتاب Nouvelle Flore de l'Algérie et des Régions Désertiques
Méridionales ، من تأليف P. Quezel ، أستاذ بكلية العلوم بالجزائر ، و S.
Santa ، دكتور في الصيدلة ، و المساهمة التقنية للسيدة O. Schotter ، و
تقديم البروفسور L. mberger ، مراسل المعهد الفرنسي للبحث العلمي بالجزائر
، تاريخ النشر 1962 ، ما يلي :
1 ـ ورد بالصفحة 645 من الجزء الثاني للكتاب ، إسم جنس Ammoides على أنه جنس من أجناس فصيلة الخيميات = Ombellifères .
2 ـ جاء بالصفحة 671 من نفس الجزء أن الجنس النباتي المسمى Ammoides من
قبل العالم النباتي Adonson ، هو نفس الجنس المسمى Ptychotis من طرف
العالم Koch .
3 ـ أن المعروف بالجزائر لجنس Ammoides أو Ptychotis ، نوعان هما :
ـ النوع الأول هو : Ammoides verticillata (Desf.) Briq. ... و هذا هو
المسمى عند لوسيان لوكليرك بــ Ptychotis verticillata ، و هو المستعمل في
علاج البرص عند اهل بجاية ... ، وهو النوع النباتي الطبي الذي تأكد نفعه
في علاج البرص عند إبن البيطار ، و هو المقصود عنده باسم { آاطريلال } .
ـ النوع الثاني هو : Ammoides atlantica (Coss. Et Dur.)Wolf. ، و لم يذكر له أي استعمال طبي .
هذا عن الآطريلال في الجزائر و هو نفسه الآاطريلال في كتب الطب العربي .
و أما الآطريلال عندنا في المغرب ، فهو نوع آخر لنفس الجنس الخيمي ، إسمه
Ptychotis heterophylla Koch. و قد سبق و حكيت قصتي معه بالرابط أدناه . و
هو الممثل في الصورتين التاليتين :
و قد شاع استعمال هذا النوع المغربي عندنا أواخر السبعينات و بداية
الثمانينات ، ورأيت عيانا أثره البين في الأماكن البرصة بعد تعرضها لأشعة
الشمس ، بل و حكيت قصتي مع الشاب الذي استعمله فتأكدت مشاهدة أنه شفي
تماما ، ثم أخبـِرْتُ أن البرص عاد و ظهر فيه من جديد... و يتمثل ذلك
التأثير تماما كما وجدته موصوفا من طرف الطبيب العربي المشهور ، إبن
النفيس ، في كتابه : " الشامل في الصناعة الطبية ، تحقيق د. يوسف زيدان "
و الصادر عن المجمع الثقافي ، أبو ظبي ، عام 2000 ... و هو نفس الكتاب
الموجود بالمكتبة المحققة بموقع الوراق هذا ، و يمكن الإطلاع على ما جاء
فيه عن نبات آاطريلال في المقالة الأولى من الكتاب ، بالصفحة 67 .
يقول إبن النفيس : ...{ وأوَّل تعرُّفه ، إنما كان لأجل نفعه من البَرَصِ
(5) وذلك لأن طائفة من البربر كانوا يشفون به البَرَصَ ويخفونه عن الناس
ولا يعرفه غيرهم. ثم عُرف بعد ذلك ، واشتهر ؛ وذلك لأن فعله فى البَرَصِ
عجيبٌ ، لأنه إذا تناوله المبروص ، وكشف مواضع البَرَصِ للشمس ، نفطت (6)
تلك وتقرَّحت ، من دون سائر جسده . ثم بعد ذلك ، ينبت بدل تلك المواضع
لحمٌ صحيحٌ ، وجلدُ حَسَنٌ (1) .
فإن كان ذلك البَرَصُ حديثاً غير مستحكم ، فربما كفى صاحبه أن يفعل ذلك
مرةً واحدة . وربما لم يكفه (2) ، بل بعد نبات ذلك اللحم ، يعاوده
البَرَصُ ثانياً، ويكون أضعف من الأول ؛ ثم إذا عاود تناول هذا الدواء ،
وتقرَّح مرةً أخرى ؛ استمر لحمُهُ على الصحة ، وذلك هو النابت بعد
التقرُّح الثانى . وربما لم يكف ذلك ، وأُحوج إلى مرةٍ ثالثةٍ ، ورابعة ،
وذلك إذا كان البرص قوياً .
وربما لم ينجح هذا الدواء البتة ، بل كلما سقط موضع البَرَصَ ثم عاد لحمٌ
صحيح ، عاد (3) البَرَصُ بعد مُدة ؛ وذلك إذا كان البَرَصُ قد استحكم وقوى
. وربما كان هذا التدبير (4) -حينئذٍ - مُزيداً فى البَرَصِ وذلك لأجل
زيادة ضعف مواضعه وما يقرب منها ، بتكرير التقرُّح .
} / هـ.... إنتهى ما نقل عن إبن النفيس .
المستعمل من نبات الآطريلال هو بذوره ، و من نبات عاقر قرحا جذوره ، و هذا
الأخير هو المسمى علميا Anacyclus pyrethrum D.C. ، إسمه الفرنسي Pyrèthre
، و إسمه الإنجليزي Pellitory of Spain ، بمعجم د. أحمد عيسى . و بنسبة
أربعة أجزاء من بذور آاطريلال ، و جزء من جذور عاقر قرحا ، كمثال : 40
غرام من البذور و 10غرامات من الجذور ، يطحن الجميع جيدا و يعجن في 250
غرام عسل النحل . يؤخذ من المعجون مقدار ملعقة كبيرة ، توضع في كأس و تشرب
بماء حار ، ثم يجلس المصاب في الشمس الحارة كاشفا الأماكن البرصة لأشعة
الشمس حتى تعرق ... و يستمر على هذا ثلاثة أيام إلى خمسة ، و ينظر أثر
الدواء في جسمه ، و من سلامة المريض أن يكون تحت مراقبة طبيب في الأمراض
الجلدية ، حى يتجنب أي خطر على جلده و حياته . لأن جميع الأماكن البرصه
يحدث فيها تقرحات شديدة تبدأ باحمرار الجلد و تقرحه ثم يتجمع ماء تحت
الجلج و هو ما يسمى بالنفاطات في الطب الشعبي ... لذا فإن اتساع البقع
البرصة في الجسم يعرض المريض إلى خطر أكيد نتيج تقرح جزء كبير من جلد جسمه
... و قد ظهر في إسبانيا ، في بداية الثمانينات دواء يباع في الصيديات ،
يتناوله المصاب بالبرص ، و يعرض جسمه لأشعة الشمس تماما كاستعمال
الآطريلال ، عرفني عليه صديق مصاب ، استعمله مدة و لم ينفعه هذا الدواء ،
و بقي البرص في جلده ... و استعمل النوع المغربي من الآطريلال ، و أخبرني
أن البرص نقصت بقعه و توقف انتشاره في جسمه .
خلاصة القول هو التأكد أولا من أن البذور المستعملة هي فعلا و بدون شك
للنوع الطبي Ptychotis verticillata ، و الوسيلة الوحيدة للتأكد من هذا هي
الحصول على البذور من نباتي ثقة يعرف النوع الطبي بمنابته ... و قد سبق و
ذكرت قصتي مع عشاب أراد أن يعطيني نباتا غريبا مدعيا أنه آطريلال ... و
هذه مناسبة أمام معاهدنا الطبية للقيام بتجارب و أبحاث عن هذا النوع
النباتي للتأكد بصفة علمية من نفعه في علاج البرص ، و تحديد الجرعات
الطبية ، و طريقة الإستعمال السليمة ، بعيد عن كل دجل و شعوذة ، و تجنبا
لكل خطر في الإستعمال العشوائي و الغير المقنن.
و أخيرا ، أرجو أن أكون قد أجبت عن بعض التساؤلات المتلقة بالبرص و علاجه في الطب العربي عامة ، و الشعبي منه خاصة .