وإن كانت الصحة البدنية تؤثر بقوة على نظرة العقل المستقبلية فإن العتم تاحذف صحيح ،إلا أن العلماء الذين يدرسون الرابطة بين العقل والبدن، يركزون دراساتهم في العادة على العلاقة بين المشاعر السلبية وبين أمراض القلب والأوعية الدموية. وقد علموا على سبيل المثال، أن التوتر يزيد ضغط الدم والأخطار على القلب، وأن العداء والغضب قد يؤديان إلى تحطم القلب، وأن الكآبة والعزلة الاجتماعية تساهمان في حدوث النوبات القلبية كما تعيقان الشفاء وإعادة التأهيل.
ومن السهل أن نعرف لماذا يدرس الأطباء الأمراض، إلا أن هناك جزءا آخر من اللغز الذي يتطلب الاهتمام. فقد لاحظ واحد من كبار المشاهير وهو تشارلي تشابلن أن «الضحك منشط، ويقدم الراحة، ويوقف الألم». إلا أن حديثا كوميديا مشهورا عن فوائد الضحك هو مسألة تختلف عما قد يؤكده العلماء من أن المرح هو دواء جيد ،إن الدراسات حول النوبات القلبية أو السكتة الدماغية الحقيقية، تتطلب شمول عدد كبير من المرضى، كما تتطلب وقتا طويلا، وتكلف أموالا طائلة. ولحسن الحظ فإن هناك طرقا مفيدة لتقييم صحة القلب والأوعية الدموية داخل المختبرات. وإحدى هذه الطرق الجديدة والمتطورة هي مراقبة وظيفة بطانة الأوعية الدموية.
* إن الغشاء المبطن للأوعية الدموية endothelium هو الشريحة أو الطبقة الداخلية الأعمق من الطبقات الثلاث التي تتكون منها جدران الأوعية الدموية. وقد أهملت في الماضي بوصفها بطانة خاملة، إلا أن طبقة خلايا بطانة الأوعية الدموية تعرف الآن بدورها الحاسم في صحة تلك الأوعية ،ومن الأمور التي تنفذها هذه البطانة، إنتاجها لأكسيد النتريك، الذي يقوم بوظيفتين حيويتين، الأولى هي المحافظة على نعومة بطانة الشرايين وعلى «زلاقتها»، الأمر الذي يقيها من أضرار الالتهابات وحدوث خثرات دموية تسدّ الشرايين. والثانية: العمل على استرخاء وزيادة نعومة خلايا عضلات الطبقة الوسطى في الشرايين، الأمر الذي يدرأ وقوع التقلصات وسمح للشرايين بالتوسع بهدف زيادة تدفق الدم عبرها نحو الأنسجة التي تحتاج إلى أتم تاحذفجين إضافي.
ويؤثر تصلب الشرايين، المرض الذي يؤدي إلى النوبات القلبية والسكتة الدماغية بشدة على خلايا بطانة الأوعية الدموية، مقللا إنتاج أتم تاحذفيد النتريكnitric oxide ، ولذا تصبح الشرايين أكثر لزوجة، وأكثر ضيقا، وأكثر تصلبا. ويمكن للتبغ، وكذلك للتدخين السلبي، ولتقدم العمر أن تقود إلى نفس هذه المشاكل. وبخلاف هذا، فان ممارسة الرياضة تحسن وظيفة البطانة، وتزيد من «شباب» الشرايين. وبمقدور أدوية الستاتين ومثيلاتها تقديم المساعدة أيضا. والآن يتساءل العلماء إن كان المرح يقدم نفس هذه الفوائد.
* أخذ العلماء في قياس وظيفة بطانة الأوعية الدموية endothelial function لـ20 من الرجال والنساء الأصحاء، كان متوسط أعمارهم 33 سنة. ودرس كل متطوع بعد صومه طيلة الليل وامتناعه عن تناول الكحول، وممارسة الرياضة، وتناول الفيتامينات والمكملات الأخرى. وجرى قياس وظيفة البطانة أثناء الراحة، وبعد التعرض للإجهاد، وبعد إثارة المرح. وتم توفير مشاعر التوتر بمشاهدة المشاهد المروعة لفيلم «إنقاذ الجندي رايان» لعام 1998. ولإثارة الضحك ـ مشاهد من الفيلم «كنغبين» الكوميدي لعام 1996، أو فيلم «هناك شيء ما حول ماري» لعام 1998 ، وقد أدى التوتر الذهني إلى حدوث انخفاض ملموس في «تدفق الدم المرتبط ببطانة الأوعية الدموية» لدى 14 من الـ 20 متطوعا. وبلغ متوسط الانخفاض 35 في المائة، وهو انخفاض ملموس. وعلى النقيض من ذلك تحسنت وظيفة البطانة لدى 19 من 20 متطوعا عند حدوث الضحك. وازداد تدفق الدم في المتوسط بنسبة 22 في المائة. ولذا فإن الفرق الصافي بين حالتي تدفق الدم خلال التوتر والضحك زاد على 50 في المائة.
* كيف يساعد المرح بطانة الأوعية الدموية؟ إن الأمر يتطلب إجراء الكثير من الدراسات للإجابة عن هذا السؤال. إن واحدا من الاحتمالات الممكنة يتمثل في انخفاض مستويات هرمونات التوتر مثل الأدرينالين والكورتيزول. والاحتمال الآخر هو التعزيز المباشر لإنتاج أتم تاحذفيد النتريك. وتحسن الرياضة وظيفة بطانة الأوعية الدموية وفق نفس هذه الآليات. وربما لذلك، فإن نورمان كوزينز كان محقا عندما قال إن «الضحك هو أحد أشكال الهرولة الداخلية». ونحتاج إلى إجراء دراسات أكثر لتأكيد نتائج دراسة جامعة ماريلاند، إلا أن مارك توين ربما كان محقا بعد أن بالغ قليلا، وقال إن «المرح هو أكبر نعمة للبشرية».